Thoughts & Arts
Image

وأوروبا تخضر

2025-11-22

محمد تي اتش الدارمي


لما ننطلق من واقعة محاولة خلع الحجاب من الطالبات المسلمات في مدرسة تديرها كنيسة الواقعة في الشهر الماضي في ولايتنا، هناك ابعاد علينا ان نتفكر فيها ونعيها. ومنها اعتقاد بعض أولياء الأمور أن جودة التعليم والدراسة مرتكزة بمدارس ومعاهد من لهم صلة ثقافية باوروبا من ناحية الدين والثقافة المتطورة المزعومة. وفي الحقيقة إنها اشارة إلى موقف شائع في أمتنا الحديثة. حيث يعتقدون ان الجودة متأكدة ومنضبطة في كل شيء يجيئ ويخرج من الغرب وفيما يختاره الغرب. ليس فيما يتعلمون ويعلمون فحسب ولكن فيما يلبسون ويشربون ويأكلون ويتنعمون ويستمتعون به ويستعملون، ولا يمكننا أن نرفض ونرد هذا منهم لأنها حقيقة. لأن أوروبا نهضت نهضة لا مثيل لها بعد الثورة الصناعية التي نشأت مع اكتشاف الآلة البخارية وبدأت من بريطانيا وعمت أوروبا في اقل وقت بمساعدة ومساندة التقنيات نهاية القرن الـ18. فاحتلت الصناعة مكانة ريادية بدل الزراعة بعد أن تحولت الأولى من النمط التقليدي اليدوي إلى نمط أكثر حداثة وأغزر إنتاجا وتتمتع الآلة فيها بمكانة مركزية. فصاروا رواد الجودة ونشروها انحاء العالم.


ولكن الناس كانوا فئتين، فئة استخدمت قواهم العقلية وتركزوا بها على ميزات الانتاجات والمنتجات الغربية فلما رأوها أجود قبلوها وافتخروا بها، فما التي تملكوها كانت المنتجات وحدها، ولكن الفئة الأخرى كانوا يستخدمون قواهم الشهوانية أكثر من القوى العقلية، فتملكوا أوروبا والغرب بدلا من منتجاتهم فصارت أوروبا عندهم روادا بغض النظر عن منتجاتهم فكانوا عندهم روادا في كل الأمور حتى تبعوهم قدما بقدم و شبرا بشبر، فدانت وصغرت لديهم كل ما لدى غير الغرب من الثقافات والأديان والمنتجات، وهم المشار إليهم فيما فوق من الذين يعتقدون ويؤمنون أن الغرب هم أولى الناس وأغلاهم بالمتابعة. فاعتنق هذا القبيل من الناس أسلوب حياتهم من العرى والجنسية اللاشرعية والحياة الحرة والحرية الكاملة في رغبات الحياة، لأن أوروبا ومن دان دينهم بعد ما حصلوا على الريادة العالمية بعد الثروة الصناعية بدؤا يستكبرون ويعتقدون أنهم فوق كل شيئ كما أنهم حسبوا أننا لسنا بحاجة إلى شرع أو حكم أو دين. ونظرتهم هذه كانت بداية النظرة اللبرالية في العالم. وفي أسرع وقت صارت اللبرالية نسيج الحياة لدى المتحدثين.


والناس الذين اعتنقوا الغرب مازالوا في موقفهم حتى الآن كما نرى في مثل الحوادث المذكورة، ولكن ما اطلعوا ماذا يحدث هناك في الغرب من التغييرات. لأن الغرب في طريق التغيير في كل ما علموا وتعلموا واعتقدوا أنها هي الحياة، وهذا هو الذي نرى في الغرب عموما من بدء المبالاة بالاديان والمعتقدات. وبداوا يعترفون بانه هناك حقائق غير ما ظنوا. ومن المناظر الرائعة في هذه التغييرات أن الذين يريدون ان يبدلوا نمط حياتهم الى نمط ديني يختارون الاسلام. وهذا يسبب في كثرة نسبة المسلمين في أوروبا حتى جذبت انظار علماء باحثي مركز بيو الأمريكي للابحاث وأخذوها موضوعا للبحث. واستشرافيات هذه الدراسة تشير إلى أن المسلمين سيشكلون مع منتصف القرن الحالي خمس سكان الاتحاد الأوروبي، و تتوقع الدراسة هذه أنه بحلول العام 2050 م ستبلغ نسبة المسلمين 20% في ألمانيا و18% في فرنسا و17% في بريطانيا. وتقول الدراسة التي أجريت في ثلاثين دولة أوروبية إلى أنه حسب السيناريو الأكثر ترجيحا فإن المسلمين سيصبحون أغلبية بعد نحو مئة عام في كل من السويد وفرنسا واليونان، وسيتأخر الأمر قليلا إلى نحو مئة وخمسة عشر في بلجيكا وبلغاريا، بينما سيستغرق ذلك نحو قرنا ونصف قرن في كل من إيطاليا ولوكسمبورغ وبريطانيا. ومنها ما أكد الرئيس السابق للمكتب الاتحادي الألماني لحماية الدستور (المخابرات) هانز جورج ماسن في مقابلة مع صحيفة أكسبرس النمساوية، معتبرا أنه بحلول عام 2200 سيكون معظم سكان أوروبا مسلمين، و علاوة على هذا الثقافة الإسلامية ستدمر الثقافة الأوروبية تدريجيا. وهذه التقديرات والدراسات مما خرجت بتكلف من طاولات البحوث العالمية ومن ألسن المفكرين في الاحوال الإجتماعية، وليست دراسات منشوره ومعلنه لانه هواك هناك في اوروبا صعوبات كثيره للحصول على معطيات دقيقه في هذا الموضوع. لأنهم - كما هو الحال لدى اغلبية الدول - يخافون من النهضة الإسلامية فيحسبون ان نشر هذه التقديرات والدراسات سيكون ضربا قاضيا على بقائهم وبقاء معتقداتهم الزائفة. لأن الناس اذا اطلعوا على مثل هذه الإشارات سيلتفتون الى هذا الدين ونظراته ويسعون للبحث عنه وخاصة عن ميزاته الذي التي تجذب عقول الناس.


ولهذه الأسباب دساتير بعض الدول الأوروبية تحظر إجراء أي إحصاء على أساس ديني كما هو الحال في السويد مثلا ويضعون ضوابط لمنع التظاهر الديني عن طريق اقامة الشعائر الدينية. وهناك خوف يتزايد نتيجة لما يرونه من الإقبال المتزايد على اعتناق الإسلام. وتشير التقديرات المدروسة إلى أن أعلى نسبة للمسلمين في الدول الأوروبية الرئيسية توجد في فرنسا، فحسب دراسة للمعهد الفرنسي للإحصاء والدراسات الاقتصادية إن عشر في المئة من الفرنسيين يعلنون أنهم مسلمون. وتشير التقديرات في دول أوروبية أخرى إلى نسب أقل مما عليه في فرنسا، ففي السويد تشير التقديرات إلى أن نسبة المسلمين تزيد على 8% بينما تحوم النسبة حول 7% في بلجيكا وبريطانيا وهولندا وألمانيا، وتقارب النسبة 6% في إسبانيا والدانمارك وإيطاليا، ولكن الملفت للنظر ازدياد عدد النسمة الاسلامية في أوروبا. وهذه ظاهرة يكاد يتظهر لها كل واحد في العالم ايضا. وهي حقيقة ظاهرة حيرت علماء الاجتماع والتاريخ، فالإسلام أوسع الأديان انتشاراً، حسب مراكز الإحصاء العالمية، فحين كان المسلمون في عام 1900 يمثلون 15% فقط من سكان العالم، فإن نسبتهم في مطلع القرن الواحد والعشرين بلغت 21.6%، ثم ارتفعت نسبتهم في 2010 الى 23.4%، وتتوقع مراكز الرصد والإحصاء أن يصلوا عام 2030 إلى نسبة 26.4%، وأن يتجاوزا نسبة 30% خلال عقود قليلة قادمة. وهذه الحقائق مدروسة من قبل مركز بيو أيضا ومنشورة عبر موقعهم الإلكتروني. ولا غرابة في هذه القوة للانتشار في شأن الإسلام حيث بدا تعلو يوما فيوما منذ فجر الدعوة مع ما واجهه من الاعتداءات والاضطهادات. فحين واجه النبي بركان الجاهلية، خرج من تحت حممها ومن بين ركامها أناس أشرعوا سفنهم في تحدي أمواج الجاهلية والتصدي لزخرفها بالإيمان، فدعوا الناس للدين الجديد بأفعالهم وأقوالهم، حتى لو كلفهم ذلك حياتهم، فانتشر الإسلام بفضل تضحياتهم، وراح الناس يدخلون في دين الله أفواجاً.


ولكن لا نقدر بالتحديد أن نقول إن وراء هذه النهضة الإسلامية جمعيات تبليغية او نشاطات جذابة من المسلمين الموجودين او اللاجئين. بل هي نتيجة نظر وفكر حرة. لأن العالم الغربي استخرج نظرياته السياسية والاجتماعية من خلال تجاربه التاريخية والفكرية ومن خلال البيئات الدينية والسياسية التي عاشها، فوصلوا الى العلمانية المحضة. ولكنها لم تطل لسبب ما فيها من عدم المعاني حيث الأثرة والخيانة والنفاق السياسي عم كل المنصات. ومع ذلك اعترفوا بعدما واجهوا من الصدمات النفسانية والاجتماعية الكثيرة أن الحياة ليست مجرد استمتاع ولكنها تتضمن معاني الانسانية السامية ايضا، والوصول الى هذه الانسانية الفائقة لا يتمكن إلا عن طريق مبادئ يعلمها الدين، فبداوا الآن ينهضون لاسترجاع ما فوتهم عدم منهج صحيح للحياة وذلك لا يمكن الا بامتلاك الأخلاق الحسنة والرفعة الروحيه. و أصبحوا يحتاجون إلى منقذ ينقذها مما هم فيه من الضلال والفساد الأخلاقي، والخواء الروحي، وعلموا أن ذلك لن تجد إلا في الإسلام الذي يلبي حاجات الإنسان الفطرية، ويجيب على أسئلته العويصة والمحيرة. وهذا ما جعل الناس هناك يلجأون إلى دين الله فلا يكاد يمر يوم -تقريبا- إلا ويدخل بعض الناس في الإسلام، ولا تكاد تمر فترة زمنية إلا ويكسب الإسلام موطىء قدم جديد هناك رغم جهود أعداء الله وتحذيرهم من الزحف الإسلامي القادم.
وهذا من عظمة هذا الدين وملاءمته لفطرة الإنسان، فهو يتمدد بنفسه وقوته الذاتية وسلطانه على النفوس، حيث وجد كثير من الغربيين فيه ضالتهم المنشودة وبغيتهم المفقودة، ولهذا يدخل فيه جميع طبقات الناس من المتعلمين وغيرهم. ولذلك أيضا مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لها منها. رواه مسلم عن ثوبان. وحسبنا فيه قوله تعالى حيث يقول: ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون [التوبة:32].


التزايد الهائل لعدد المسلمين في اوروبا ظاهرة حاسمة تقطع بتواصل مسيرة الإسلام هناك، والعلماء الباحثون يقطعون بما وصلوا اليها من التقديرات والتوقعات من التزايد السريع. ومناط الابحاث كلها مثل ما نشر موقع بي بي سي البريطاني قبل قليل بعد العثور على اشارات وأدلة واضحة. يثبت ذلك النشر سببين رئيسيين. أولا القلة الواضحة والهائلة في التناسل المحلي، وثانيا كثرة المهاجرين الذين يمثلون 90% من المسلمين. يقول النشر من أجل أن تقوم أيُّ ثقافة بالحفاظ على وجودها يجب أن يكون نسبة المواليد في معتنقيها تمثل2,11 مولود لكل أسرة، وعلى مرِّ التاريخ أثبتتِ الإحصائيات أنه لا يمكن لثقافةٍ أو حضارة أن تحافظ على وجودها إذا ما وصلتْ نسبة المواليد في معتنقيها إلى 1,9مولود لكل أسرة، وإذا بلغتْ نسبة المواليد 1,3 لكل أسرة أصبح من المستحيل لهذه الحضارة أن تتواجد مرةً أخرى؛ لأن ذلك يتطلب ما بين 80 إلى 100 عام لتصحيح وضعها، و من المقرر أنه كلما انخفضت نسبة المواليد أدَّى ذلك إلى تقلص تلك الثقافة، وأُفول شمسِها عن الوجود. وهذه هي الحقيقة التي تواجه الأمة الأوروبية. ففي عام 2007 م أثبتت الإحصائيات أن نسبة المواليد في فرنسا قد وصلت إلى1,8 مولود لكل أسرة, وفي إنجلترا 1,6 مولود لكل أسرة, وفي اليونان وألمانيا 1,3 مولود لكل أسرة, وفي إيطاليا إلى 1,2مولود لكل أسرة وأما إسبانيا فقد وصلت النسبة فيها إلى 1,1 مولود لكل أسرة. فعلى مستوى بلدان الاتِّحاد الأوروبي، البالغة إحدى وثلاثين دولة، قد وصل معدل المواليد إلى 1,38 مولود لكل أسرة وهي النسبة التي يرى الخبراء أنه من الصعب جدًّا أن تبقى معها أوروبا الحاليةُ في الوجود؛ مما يجعل أوروبا في الأعوام القادمة تبذل قصارى جهدها من أجل البقاء.


وأما عدد المهاجرين المسلمين يتزايد يوما فيوما، ويشكل خطرا على بقاء الثقافة الأوروبية. ولذالك أوروبا تعد الهجرة - والتي تمثل الهجرة الإسلامية نسبة 90 % منها منذ عام 1990 - الخطرَ الحقيقي الذي يسبب النمو الرهيب في تعداد المسلمين؛ مما سيجعل الكثافةَ السكانية الإسلامية تغيِّر وجهَ أوروبا والعالم في بضعة عقود. وهذه الظاهرة أصبحت شبه محققة كما يشير إليه بعض الدراسات الاحصائية، فبالنسبة لفرنسا، فنسبة المواليد بالنسبة للأسر الفرنسية تمثل 1,8 طفل لكل أسرة، وبالنسبة للأسر المسلمة 8,1 طفل لكل أسرة، وكذلك فإن 30 % من الشباب ما بين 20 أو أقل صارت من المسلمين، وفي المدن الكبرى مثل باريس ومرسيليا ونيس تصل هذه النسبة إلى 45 %، ففرنسا النصرانية أصبحت المساجدُ تزداد فيها مقارنةً بالكنائس، ومن المتوقع بحلول عام 2027 م أن يمثل المسلمون 20 % من الكثافة السكانية الفرنسية، ففي غضون 39 عامًا ستصبح فرنسا دولة إسلامية. وأما بالنسبة لبريطانيا، فالمسلمون الذين كان عددهم 80.000 منذ ثلاثين عامًا، قد بلغوا اليوم 2,5 مليون مسلم، في تضاعف ضخم وصل إلى ثلاثين ضعفًا، بالإضافة إلى آلاف المساجد، كثير منها تحوَّل - بفضل الإسلام - من كنيسة إلى مسجد. وأما هولندا، فـ50 % من المواليد الجدد مسلمون، ومن المتوقع في خلال الخمسة عشر عامًا القادمة أن يصبح 50 % من سكان هولندا من المسلمين. وعلى المستوى الروسي، فإن المسلمين يشكلون 23 مليون مسلم، وهذا يشكل نسبة الخُمس من الكثافة السكانية الروسية، ومن المتوقَّع أن تصل نسبة التمثيل الإسلامي إلى 40 % خلال الأعوام القادمة. وأما بلجيكا، فإن 25 % من سكانها مسلمون، كما أن 50 % من المواليد الجدد من المسلمين؛ مما جعل الحكومة البلجيكية تعلن أنه بحلول عام 2025 سيكون ثُلث المواليد في العالم الأوروبي من المسلمين.


وأما بالنسبة للولايات المتحدة، فإن نسبة المواليد 1,6 مولود لكل أسرة وكان المسلمون يشكلون 100 ألف فقط، ولكن بحلول 2008 وصل عدد المسلمين إلى 9 ملايين مسلم. فبالجملة يوجد في أوروبا قرابة 52 مليون مسلم، وأكدت الحكومة الألمانية على أن هذه النسبة سوف تتضاعف، لتصل إلى 104 مليون مسلم خلال العقدين القادمين. وقد أشار أحد الزعماء العرب إلى هذا النمو الكبير للإسلام، في قوله: إنه قد بدتْ علاماتٌ تؤكِّد النصر الإلهي للإسلام على البلدان الأوروبية بدون جهاد ولا قتال، ولكن الخمسين مليون مسلم على الأراضي الأوروبية سيجعلون أوروبا قارةً إسلامية في غضون بضعة عقود. يقول الدكتور سفر الحوالي إن هناك اتفاقاً عاماً لدى مؤرخي الفكر الأوروبيين على أن النهضة الإسلامية الأوروبية قامت على دعائم ثلاث: النـزعة الإنسانية
وحركة الإصلاح الديني وكذلك النظرة التجريبية.
وفي كل هذه الحركات نجد الأثر الإسلامي ظاهراً يوازي إن لم يـزد على الثورة العقلية الذاتية على خرافات الكنيسة، والرغبة الفطرية في التحرير من ظلمها واستبدادها، ومع هذا التوازي في الدوافع والأسباب استطاعت أوروبا بدهاء شيطاني أن تحتفظ بأسبابها الذاتية وتمدها إلى نهايات بعيدة، أما الخط الآخر فأسدلت عليه حجباً كثيفة من الإهمال والتناسي.(https://www.safaralhawali.com)


وخلاصة القول، في عهد بدأت أوروبا الرجوع الى مبادئ الحياة السليمة عبر الإسلام، من المستغرب أن يبقي من دان دينهم بإسم التحديث النفسي على ما ورثوا منهم مثل الكراهية والخوف من الإسلام وثقافته. فهذا زمان الإقبال على الأخلاق الحسنة والعادات المقبولة والخطوات المرضية التي نقدر أن نعبر عن مجموعها بأنه هو الإسلام، دين السلام..
O

0 Comments

No comments yet.

Leave a Comment

© www.thdarimi.in. All Rights Reserved. Designed by zainso